سناء الوادي
تصعيد خطير تشهده الحرب الشعواء التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ تسعة شهور، ولربما يعني ذلك دخولها في المرحلة الثالثة وهي الأشد والأكثر دموية، تلك التي تعني ملاحقة الشخصيات القيادية الفاعلة في حماس واغتيالها، لكن دون الاكتراث بقتل العشرات من الأبرياء إذا تطلب الأمر لإنجاح الاغتيال.
فالمجزرة التي ارتكبت بحق نازحي الخيام في منطقة المواصي بخان يونس تعتبر فضيحة جديدة تطال المدعو نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال، حيث إنه ذات يوم في بداية هذا الغزو طلب من أهل الشمال في القطاع النزوح جنوباً ليبقوا بأمان واليوم يطبق الخناق عليهم في خيامهم ويرميهم بخمسة صواريخ مضادة للحصون زنة ألفي رطل
وتسعة آخر بزنة خمسمئة رطل وفقاً لما ذكره موقع «أكسيوس» الاستخباراتي، هذا النوع من القنابل المحصنة يُرمى على خيام فيحدث فجوة كبيرة وعميقة في الأرض فتضيع الجثث تحت الرمال وتُقطَّع غيرها إلى أشلاء، وإذا نمَّ ذلك عن شيء فإنه يكشف عن مستوى الحقد الذي يسكن قلب ذلك اليميني المتطرف، فضلاً عن تجاوز كل القوانين الدولية والقفز فوقها التي تحرّم استخدام هذا النوع من الأسلحة في مناطق يقطنها مدنيون، أمَّا من جهة ثانية وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن المستهدف من هذه المجزرة هو « محمد الضيف « قائد الجناح العسكري لحماس و» رافع سلامة « قائد لواء خان يونس الأكثر شراسة بين ألوية كتائب القسّام، وبين ما قالته صحيفة يديعوت أحرونوت من إصابة الضيف بجروح بليغة وبين نفي حماس لذلك وإعلانها استشهاد قيادي مدني من صفوفها يسمى أسامة نوفل، وهذا دليل جديد على كذب الادعاءات الإسرائيلية بوجود تلك القيادات داخل الأنفاق، وتبرير ارتكاب المجازر المروعة كما فعلت عند قصف مشفى الشفاء.
هذا وإنَّ فشل عملية اغتيال الضيف « حسب زعمهم « يظهر للعيان الهدف الأساسي من هذه الحرب على سكان القطاع والذي تحدثنا عنه كثيراً ـ تهجير أهل غزّة ـ وفي حقيقة الأمر هو الغاية التي إن وصل إليها نتنياهو سيضمن عودة القضية الفلسطينية لإدراج النسيان وينقل المقاومة لخارج الأراضي الفلسطينية ويصدّر الأزمات الداخلية إلى دول الجوار، فمنذ أن بدأ عدوانه الانتقامي على طوفان الأقصى لم يحدّد أهدافاً واضحة ينجزها، بيدَ أنَّ كل إنجازاته على الأرض فعلياً كانت تدفع سكان الشمال للذهاب أولا إلى وسط القطاع وحينما أعلن عن السيطرة على الشمال انتقل وحسب معلوماتٍ استخباراتية عن تواجد قيادة حماس في الوسط وضرورة تركيز المعركة هناك، فنزح المدنيون إلى رفح ومن ثمَّ سيطر الاحتلال على المعبر، فنزح الغزاويون مجدداً إلى منطقة المواصي الجرداء التي يفصلها عن مصر حاجز حجري مترهل يستطيع طفل في العاشرة أن يجتازه، ومع كل ذلك رفضوا مغادرة أرضهم وتمسكوا بها، ومصر لعبت دوراً مهماً في الوقوف أمام مسلسل التهجير ذلك.
وبعد كل ما سبق ذكره ومع فشل العمليات العسكرية الإسرائيلية بتحقيق أي تقدّم على الأرض ومع زيادة أعداد الهاربين من الخدمة العسكرية إلى خارج إسرائيل والأزمة المتفاقمة بين الحريديم « اليهود المتدينين « وبين يوآف غالانت وزير الدفاع رافضين تجنيد أبنائهم، حتّى وصل الأمر بطلب جنود احتياط بمبالغ كبيرة عبر مجموعات مغلقة أنشئت على الفيسبوك، إضافةً إلى الفشل السياسي الذي يُمنى به نتنياهو مع تعالي أصوات المتظاهرين المطالبين باستقالته فوراً فضلاً عن غضب حزب اليمين المتطرف الذي دعمه للوصول لكرسي الرئاسة، لأنه لم ينفذ أجندتهم المتمثلة بتكثيف القتل والتدمير حتى لو استدعى ذلك استخدام القنابل النووية، غير أن ذلك سيحرجه أمام الأم الراعية « واشنطن « والتي باتت تضغط مؤخراً لعقد اتفاق هدنة والموافقة على المقترح الذي قدمه الرئيس جو بايدن في الواحد والثلاثين من أيار الماضي، وهو ما فتئ نتنياهو بوضع العراقيل أمام تنفيذه، بل ويضع العقبات أمام الوفد المفاوض من حماس لدفعهم للرفض والانسحاب من التفاوض بشروط تعجيزية كان آخرها أنه رغم الهدنة لن ينسحب من محور فيلادلفيا ولن يسلم معبر رفح ويبقى مسيطراً على ممر نتساريم وسط القطاع وغيرها، وتجنباً للإحراج مع ربيبته كانت مجزرته هذه في المواصي مستغلّاً انشغالها في الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الناتو.
ومن ذلك فإن مسار المفاوضات قد يتوقف بعد هذا التصعيد المقصود وقد نشهد مزيداً من اشتعال جبهات الإسناد في الإقليم في حربٍ كل المؤشرات تنبئ بأنها طويلة الأمد.
كاتبة وإعلامية سورية