جدليَّة العودة إلى الأرض

آراء 2024/07/16
...

سوسن الجزراوي

أحد وعشرون مليون هكتاراً ! هل لكم ان تتخيلوا معي هذا الرقم؟ انه ليس بالتاكيد مقياسا لساحة سباق (الرالي)، ولا هو بقعة واسعة في حدود العراق ! انها قراءة تم تثبيتها من قبل الجهاز المركزي للاحصاء حول المساحة المخصصة للزراعة في العراق، والتي لم يستثمر منها الا مايعادل ثلثها للأسف.
وأقول للاسف لأن أرباح الزراعة يمكنها أن تسجل أهدافاً مهولة في خزينة اقتصاد البلدان المهتمة بها والساعية بجد لتطويرها ودعمها، اذ تقرأ قوائم العائدات السنوية للدول المصدرة لمنتجات الأرض وخيراتها، أرقاماً هائلة تشكل احدى اقطاب الدعم الاقتصادي الكبير لتلك البلدان، هذا بالاضافة إلى اعتبارها قارب انقاذ متين في حالات القحط أو الازمات أو الكوارث، فالكثير من دول العالم كانت قد اعتمدت على محاصيلها الزراعية لمعالجة العجز، الذي أصابها في ظروف استثنائية.
وبعيداً عن الاتفاقيات الدولية التي كانت مبرمة وما زالت بين العراق والدول المنتجة والمصدرة للمحاصيل الزراعية، بقي المنتوج الوطني هو الاكثر طلباً عند الكثير من المستهلكين، لأنهم يدركون عذوبة الماء الذي يروي تلك المساحات المزروعة، ونكهة المحصول الذي اعتادوه سنوات طويلة، اضافة إلى ان بعض المحاصيل الزراعية الاساسية كالحنطة والشعير مثلا، والتي يعدّها الكثير، كنزاً ثميناً يُعتمد عليه في صناعة المخبوزات ( الخبز والصمان وغيرها )، دون الاعتماد على ماقد يأت من الخارج حتى وان كان البعض منه يتفوق احيانا بجودته.
وبما ان الزراعة هي أحد اهم الاعمدة التي تعتمدها الدول، لذا اصبح من الضروري ان يتم التعريف بقيمتها واهميتها والوسط، الذي يمكن ان تتجانس معه من اجل الحصول على مكاسب اقتصادية غاية في الاهمية، واحدى اهم هذه الوسائط، هي الصناعة، فالكثير من المنتوجات الصناعية تعتمد الزراعة كمادة اساسية فيها، ولا أعتقد ان هذا شيء يمكن ان يتم الاختلاف حوله، فصناعة الادوية تعتمد في خطوط إنتاجية كثيرة منها على الثروة الزراعية، كذلك الكثير من المنتجات الاخرى الداخلة في عملية تسويق مستلزمات المنازل وقوتها، تعتمد ايضا على الزراعة كالزيوت والعصائر والاغذية المعلبة الاخرى.
قد يشير البعض إلى مسألة توقف الكثير من المعامل وافتقار عالم الصناعة إلى بنى تحتية وركائز اساسية وهذا ماعانى منه البلد وما زال، إلا أن (كسل) المزارع ايضا وعدم اصراره على القيام بواجباته امام ارضه وافتقاره لمهارة التسويق، كل هذا لعب دوراً لجعل الدولة تهمل قضية النهوض بالمعامل وإعادة إعمار خطوطها الانتاجية.
ولأننا اليوم في عصر الاستثمار، بات من الضروري جدا ان تقوم مجاميع ملّاك الاراضي الزراعية، بمفاتحة هيئة الاستثمار لايجاد منافذ استثمارية يكون فيها المزارع القاسم المشترك واللاعب الرئيس، هذا بالاضافة إلى اهمية الامساك بقدسية التربة وعدم التفريط بها وتحويلها إلى دور سكنية ستجهز تباعاً على كل منافذ التهوية الصحية وستقضي بشكل تام على الحزام الاخضر الذي أوشك ان يصبح (الخيط) الاخضر.
وكوننا نمتلك مساحات شاسعة تصلح للزراعة كما ذكرت، اضافة إلى وجود أيادٍ عاملة محترفة لمهنة الزراعة، ناهيك عن وجود المياه حتى وان قلت مناسيبها احياناً، صار من الطبيعي أن يقوم الفلاح والمزارع العراقي، بمنح الارض كل طاقته وحبه ورغبته بملئها بهكتارات خضراء شاسعة تمتد إلى حيث تنتهي رؤية الافق.
وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق ما لم تقم وزارة الزراعة وكل القطاعات المرتبطة بادامة الارض، بتقديم الدعم الحقيقي للمزارع، سواء ما كان منه سماداً أو بذوراً أو شتلات أو مصادر دائمة للمياه، كذلك آليات متطورة بتقنية جيدة تساهم في تنظيم المساحات المزروعة بشكل ناجح، اضافة إلى الاهتمام بالترويج الناجح للسلع الوطنية كما هو معمول مع باقي السلع المستوردة والتي نراها في الكثير من الدول المتقدمة، فهنالك المنتوج المحلي والمنتوج المستورد، ولكل منهما مستهلكيه، لذا فإن التشجيع والدعم الرسمي المتمثل بوزارة الزراعة والري والصناعة ورئاسة الوزراء وهيئة الاستثمار، كلها معنية بمنح المزارع بطاقة اعتماد نجاحه، فاليد الواحدة لاتصفق، والجهد المشترك ينتج اقتصادا قوياً.