عواطف مدلول
في جميع مراحل الحياة يتعرض كل انسان من دون استثناء الى ضغوط نفسية شتى سواء في العمل او البيت، تلعب دورا كبيرا في تعكير صفو هدوئه وسلامه لفترة من الزمن، البعض منها يمكن مواجهتها والتعامل معها بطريقة يستطيع من خلالها ان يتجاوزها فينساها تلقائيا او تتحول الى مجرد ذكرى ودرس لا تؤثر فيه سلبيا مستقبلا،
والبعض الاخر قد يتركها من دون حل لانشغاله او عجزه امامها فتبقى مدفونة وحبيسة بداخله، وبمرور السنوات تصبح تلك تراكمات مخزونة وربما تشكل عبئا ثقيلا عليه ليس من السهل ازاحته والتخلص منه، فتظهر على هيئة ألم سواء كان جسديا او نفسيا، وبذلك تسبب له الاصابة بالمرض، وهو البداية المبشرة للانتقال الفعلي للتطهير من الاخطاء واختيار العيش في حياة جديدة افضل، فكل مرض يحصل يحمل رسالة من النفس المليئة بالمعاناة المكتومة التي تبدو كالابواب المقفلة، جاء ليخبر صاحبها بها وينذره بآثارها كي يفتحها ويطرح سمومها، اذ يفترض ان لاتبقى تلك الرسالة مبهمة وان يتم البحث عن مغزاها وايجاد السبل لفهمها، وعندما يتحقق ذلك سوف لا يحتاج الامر الى اللجوء للطبيب او المعالج واستخدام الادوية التي غالبا ما تدخله في دوامة الامراض فتتطور حالته نحو الأسوأ ليس باتجاه الشفاء.
في كتابه (فك شفرة الاعراض والامراض) يتحدث الدكتور صلاح صالح الراشد عن 180 عرضا ومرضا، و»الأفكار» المسببة لها «فيضع مقابل كل مرض سببا نفسيا سلوكيا، فمثلا حينما يفتقد الشخص الى السند كأن يكون الاخ او الزوج او الاب فإنه سوف يعاني من ألم في أعلى الظهر، اما اذا كان يفتقد السند المادي ويشكو من الفقر فإن الالم سيظهر في أسفر الظهر، وهكذا تطبق على بقية اجزاء الجسم، عندما نعرف تفسير تلك الامراض سيكون العلاج لها أسرع حتما، من جانب آخر فإن المرض يأتي ليعطي رسالة ايجابية كي نحارب ضعفنا فيحولنا الى اقوياء ويجعلنا اكثر هدوءا واستقرارا وتسامحا، كما يبعدنا عن الانشغال بتفاهات الحياة وملذاتها ومغرياتها والالتفات الى الغوص في اعماقها ومعرفة جوهرها، ويخلق نوعا من الشغف والانبهار بذلك، وكشف منافذ كانت مجهولة لدينا ترفع من قيمة ذواتنا ومتابعة ما ينقصها بدلا من اهمالها والانصراف عن الاهتمام بها، ويمنحنا قدرة على تجاوز بعض الأمور التي كنا نعدها كبيرة من خلال تصغير حجمها ومشاهدتها برؤية مختلفة تماما عما كنا نفعل سابقا، وذلك هو الدور الاساسي للمرض اذا ما نظرنا اليه من الزاوية الحقيقة فهو المعلم العظيم الذي يؤدبنا ويرسم خطواتنا الصحيحة التي تسهم كثيرا في تغيير نمط حياتنا.