تعيش هذه الدولة اليوم أسوأ ما يكون وقد بدأ الاقتصاد يتهاوى وسعر صرف العملة يترنح ومعه الاحوال المعيشية للمواطنين تتردى، واخذت الاصوات السياسية والاجتماعية تحذر من بوادر وملامح الحرب الاهلية، مع استعصاء الحل السياسي في تشكيل الحكومة برئاسة رفيق الحريري والتجاذبات السياسية بينه والرئيس ميشيل عون، وكل واحد يرمي الكرة في ساحة الثاني، بينما البلد يتقلب على اوجاع الازمات الاقتصادية الخانقة وليس في الافق مايشير الى أي بادرة للانفراج او حلحلة ماهو حقيقي في المشاكل العويصة، التي ألمت بهذا البلد الجميل. كان الاعتقاد السابق، ان رحيل ترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة الاميركية عن السلطة ومجيء ادارة جديدة بزعامة بايدن، سوف يؤدي الى معالجة الكثير من الازمات في المنطقة ومنها الملف النووي الايراني ورفع العقوبات عن ايران، والمساعدات المالية والاقتصادية الى دولة لبنان وحل معضلة او اشكالية الحكم في هذا البلد، الذي يعاني من تداعيات وصراعات المنطقة، على مدى عقود، الا انه لم يحدث أي انفراج او توافق بين اطراف الحكم في لبنان. قد تكون المحاصصة في هذا البلد هي الداء الاكثر فتكا وبطشا به، لانها هي العلة الاولى التي ادت الى كل هذا الخراب والدمار في لبنان، وان معالجة الاعراض او النتائج من دون الاسباب يبقي المريض في غرفة الانعاش المحصاصية.
المعادلة في قاموس مايسمى التوافق بين المكونات اللبنانية على توزيع المناصب في الدولة على شكل طائفي، جعل كل طرف يدافع بقوة وشراسة على ماحصل عليه من مكاسب ومغانم، بصرف النظر عن الانهيار الاقتصادي والمؤسساتي والاجتماعي، واصبح من جراء ذلك، المكون فوق الدولة واخذ يستقوي بالخارج او بالسلاح على الطرف الآخر، ماجعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات الدولية، على حساب الكيان اللبناني، وبما ان المنطقة تعج بالصراعات والنزاعات غير المحسومة، سوف يبقى هذا البلد رهين تلك التسويات الصعبة والمعقدة والمتشعبة.
من المعروف ان تدويل اي قضية سيطيل من امدها وتعتاش عليها دول تتربص هكذا فرص لتسخرها لمصالحها الخاصة.
هكذا هو العالم، فهو ليس جمعيات خيرية او هيئات خدمية، انه يسعى الى توظيف الاحداث والازمات والصراعات لصالحه.
أعتقد أن الواقعية والبرغماتية تقتضي المرونة والسلاسة والتنازل في بعض الاحيان، لان التطرف في المواقف، يجر الويلات والمصائب على الشعوب.
انظروا الى كل الدكتاتوريات إنها لا تقبل بأنصاف الحلول كل شيء او لاشيء، وهي تسمى معادلة صفرية لاتمنح الآخر مايستحق ولذلك يبقى الميزان مختلا، الى ان يتمكن المغلوب من قلب المعادلة بطريقة صفرية أخرى.
ليتحول من ضحية الى جلاد وتستمر حالة العنف من دون توقف.