مهما قيل ويقال عن الانتفاضة الشعبانية التي حدثت في مطلع شهر شعبان من عام 1991، فإن هناك حقائق يجب أن لا ينكرها افراد شعبنا بكل قومياتهم ومذاهبهم من انها كانت انتفاضة ضد نظام دكتاتوري مستبد وأرعن ودموي، فمن الحرب العراقية الايرانية التي بدأت عام 1980 واستنزفت كل مقومات الحياة في الوطن حتى انتهائها عام 1988 بعد وقف اطلاق النار، وبعد جراحات تلك الحرب التي لا يعرف الكثير منا لماذا قامت؟ وكيف انتهت؟ حتى جاءت مخيلة صدام في حقه كما زعم في الاستيلاء على الجارة الكويت وكان هدفه الاول والاخير هو استرجاع بعضا وليس كل خسائره في تلك الحرب التي قدم فيها الطرفان خيرة ابنائهما.
فقد كان صدام متعطشا للدماء فهو قد سار من حرب الى أخرى ليؤكد للجميع أنه حاكم ليس سويا، وان هوسه للحرب قد دمر خيرة قادة الجيش الذين عرف عنهم الشجاعة والنبل والايمان بالوطن، وأعود الى الانتفاضة الشعبانية التي انطلقت شرارتها الاولى في محافظة البصرة بعد إعلان وقف اطلاق النار في 28 شباط عام 1991، وتلك الوقفة المحرجة لجيشنا المقدام وهو يوافق على كل شروط الانسحاب، وكان قادتنا في الجيش يهزون الرؤوس بالموافقة على الانسحاب من الكويت، وهناك من يقول إن صدام قد أخذ الموافقة على دخول الكويت بصورة غير رسمية، وهذا يدل على عدم تحسبه لنتائج تلك الحرب، وقد وضع الجيش في موقف صعب وبعد ذلك الانسحاب، والذي ما زلنا ندفع التعويضات للجارة الكويت. هرعت أهالي القوات المنسحبة لمعرفة مصير ابنائهم وكانوا في حالة حزن وألم وكانت البصرة غاضبة من النظام وسلطته وبعد تعالي حرائق الدخان المتصاعد من حرق ابار النفط الكويتية، فما كان من احد الجنود العراقيين إلا أن صعد على ظهر دبابته واطلق القذائف على جدراية لصدام، وارتفعت بعدها الاصوات الشعبية هاتفة (انتهى حكم صدام).
وسرعان ما انطلقت انتفاضة شعبية كبيرة في البصرة، حيث خرج سكان المدينة إلى الشوارع.. وهم يهتفون ضد النظام.. وخرج بعض الشباب وهم يعلنون سقوطه. مما زاد من الهيجان الشعبي فتوجهت مجاميع كبيرة نحو مراكز الشرطة والمباني الحكومية ومعسكرات الجيش.. وأخرجوا من كان فيها من السجناء الأبرياء.. والاستيلاء على مخابئ الأسلحة الصغيرة.. وحدثت اشتباكات بين القوات العراقية والمنتفضين في المدينة وكانت الغلبة للمنتفضين.. وامتدت الانتفاضة في اليوم التالي إلى المناطق والقرى القريبة من البصرة وكانت أول رد فعل شعبي ضد نظام صدام.. وسرعان ما امتدت الانتفاضة الى الناصرية في 11 اذار 1991 ثم العمارة ثم انتشرت الى مدن أخرى، ولكن النظام استطاع إخمادها بالقوة.