كارثة الموصل.. حينَ يقتُلُنا الإهمال والفساد

آراء 2019/03/24
...

صادق كاظم

مئة شهيد من مختلف الأعمار سقطوا ضحيَّة الجشع والطمع وغياب الضمير والمبالاة, حين تم حشر الضحايا من أهالي الموصل المحتفلين بعيد النوروز في عبارَّة نهريَّة سياحيَّة صغيرة لم تتحمل كل هذا العدد الذي فاق طاقتها بكثيرٍ لتنقلب بمن فيها وتسقطُ الأجساد في النهر ليموت الضحايا غرقى. المؤسف إنَّ الحادثة وقعت في يومٍ جميلٍ من أيام المدينة التي أراد أهلها أنْ يغسلوا فيها ذكريات الإرهاب الداعشي الإجرامي الذي جثم على صدور أهل المدينة لثلاثة أعوام قبل أنْ يتمَّ تحريرها من غير أنْ يتوقع أي أحد أنْ تنقلب أفراحهم الى مأتم وأيامِ حدادٍ.
بالتأكيد هناك العديد من الجهات التي يقع على عاتقها عبء تحمل المسؤوليَّة عما حدث في فاجعة الحادي والعشرين من آذار ويقف في مقدمتهم أصحاب العبارة النهريَّة الذين تجردوا من إنسانيتهم ولم يعبؤوا أو يبالوا بالمخاطر التي قد تنجم عن تحميل العبارة بأعدادٍ تفوقُ طاقتها بكثيرٍ، خصوصاً أنَّ مياه النهر كانت مرتفعة والتيارات بحسب الصور والفيديوهات كانت تسير بسرعة كبيرة, إضافة الى غياب وسائل الحماية والأمان للركاب, إذ كان من المفروض أنْ يتم تزويد الركاب بمعدات العوم في حال حصول أي حادث طارئ. والملاحظ إنَّ الأمور كانت تُدار بفوضويَّة وكل شيء كان متروكاً للصدف، وهو ما أدى الى حصول الكارثة من دون أنْ يجد الضحايا أية وسيلة يمكن أنْ تُسهم في إنقاذهم.
اللوم بالتأكيد يقعُ على الجميع وخصوصاً الجهات الحكوميَّة المختصة التي للأسف يبدو أنها تتحرك فقط وتبادر بعد حصول الكوارث وليس قبلها.. فأين كانت الأجهزة الرقابيَّة التي كانت تعلم علم اليقين بأنَّ زخماً بشرياً هائلاً سيحصلُ على أماكن الترفيه في الموصل ومن الممكن أنْ تحصل حوادث إذا لم تراع معايير السلامة والأمان فيها. أطواقُ النجاة كانت غائبة والضحايا سيقو الى حتفهم نتيجة لهذا الإهمال والجشع وغياب الضمير والمبالاة, إذ كان الحصول على الأموال واغتنام الفرصة الهدف الوحيد لأصحاب العبارة الغارقة نتيجة للإقبال الهائل من قبل الأهالي على المتنزه الذي كانت العبارة فيه, إذ كانت أجواء الفرح والبهجة تخيم على الجميع قبل أنْ يأتي القدر بغير ذلك. كما لم تكن هناك فرقُ إنقاذٍ على مقربة من مكان الحادث.
ما يحزننا حقاً إنَّ الجهات التي تتحمل التقصير سارعت - وكما هي العادة - الى نفي مسؤوليتها عن الإهمال وأخذ الجميع يبحثُ عن كبش فداء يمكن تحميله المسؤوليَّة الجنائيَّة وإلقاء التقصير على عاتقه، مع علمنا جميعاً إنَّ الجهات المعنيَّة بمراقبة أمور السلامة والأمان للعبارات السياحيَّة تتحملُ جزءاً من المسؤوليَّة, فضلاً عن الجهات الأمنيَّة التي كان من المفترض أنْ تقومَ بواجبها في منع تحميل العبارة عدداً يفوق استيعابها الحقيقي من الركاب, إذ تحوَّلت الحادثة الى منبرٍ إعلامي وسياسي يسعى البعض الى استغلاله من أجل التسقيط والثأر من الآخرين. في وقتٍ يفترضُ فيه أنْ يُعلنُ المقصرون من المسؤولين أو الجهات المالكة للمكان الذي حدثت فيه الكارثة مسؤوليتهم بشجاعة وتقديم الاعتذار لذوي الضحايا بدلاً من المراوغة ومحاولة التملص من المسؤوليَّة.
مواساة أهالي الضحايا من مختلف المناطق العراقيَّة من الجنوب والوسط والشمال كانت بمستوى الشعور الوطني والتضامن مع الضحايا مع الدعوة لمنح أهالي الضحايا تعويضات مالية كافية لمساعدتهم وإعانتهم بالشكل الذي يساعدهم على تخطي الأزمة ومواجهة ظروف ومعاناة فقدان ذويهم.
ما نحتاجه اليوم فعلاً ليس سجالات وجدالات سياسيَّة وإلقاء التهم بوجوه بعضنا البعض بقدر حاجتنا الى موقفٍ جادٍّ لمواجهة الفساد والإهمال وتسمية الأشياء بمسمياتها وإحالة المتسببين بالحادثة الى القضاء ومنع حصول أي تدخلات للتأثير في سير القضية وكشف المتورطين الحقيقيين وإلزام المستثمرين للمشروع الذي حصلت فيه الكارثة بتقديم التعويضات لذوي الضحايا وإعادة النظر بإجراءات السلامة والأمان في مختلف المواقع السياحيَّة والتشدد في تطبيقها.. فلسنا بحاجة الى كوارث مفجعة لنكتشف حجم التقصير والإهمال الخطيرين اللذين يحاصراننا في أي وقت وكان السبب في خسارة أرواح مئة من المواطنين كان من الممكن تفاديها لو كان هناك ضميرٌ حقيقيٌّ للمسؤولين عن الكارثة بمختلف عناوينهم.