عن الاتفاق العراقي - الإيراني

الثانية والثالثة 2019/04/03
...

حسين الهنين
 
تشكل خطوة الاتفاق العراقي الايراني الأخير الذي تم ضمن جدول أعمال زيارة الرئيس حسن روحاني للعراق في 11/ 3/ 2019، خطوة شجاعة أخرى تحسب للحكومة العراقية وتأكيد فلسفة رئيسها في تحرير الاقتصاد والانفتاح على الدول الاقليمية مما يزيد من فرص العراق على أن يكون دولة محورية في المنطقة على المستوى الاقتصادي والسياسي باعتباره صديقا مشتركا لجميع المختلفين وهي سياسة جديدة لم تكن مألوفة سابقا منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
ويعد الاتفاق على اعادة العمل باتفاقية الجزائر انجازا دبلوماسيا شجاعا واضحا لحكومة عادل عبد المهدي الذي ترددت الحكومات السابقة في حسمه خوفا من الردود الشعبوية فعطلت الملاحة في شط العرب لأكثر من اربعين عاما، وهو (اي شط العرب) يشبه الى حد كبير نهر ألبه (Elbe) الألماني الذي يقع في نهايته ميناء هامبورغ الأكبر في المانيا والثاني في اوروبا والتاسع عالميا وهذا الميناء يشبه الى حد كبير ميناء المعقل العراقي مع فارق المسافة في الطول فالمعقل يبتعد 135 كم عن البحر بينما يبعد ميناء هامبورغ حوالي  110 كم وكذلك يتشابه مركز قضاء البصرة مع هامبورغ في خاصية ان كلتا المدينتين لا تطلان بشكل مباشر على البحر.
فلم لا يصبح المعقل مناظرا لميناء هامبورغ في الشرق الأوسط وان تطهير شط العرب وتطوير الميناء وتوسيعه هو الأقل كلفة قياسا بمشاريع أخرى فضلا عن ان ميناء المعقل يرتبط بشبكة السكك الحديدية مما يساعد كثيرا على حركة النقل سواء داخل العراق أو العابرة بين البلدان الأمر الذي يخفف من ضغط النقل البري وآثاره وتكاليفه؟
وكانت اتفاقية الجزائر قد وقعت في 6 آذار من عام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه ايران محمد رضا بهلوي وباشراف الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين وقد تضمنت أن تمر الحدود بين العراق وإيران بأعمق نقطة في شط العرب متمثلة بخط التالوك ( Thalweg) وهي كلمة المانية تعني النقطة التي يكون الشط في منتصفه أو  بعبارة أدق هي اعمق نقطة في النهر، ولكن صدام حسين ألغى هذه الاتفاقية عام 1980 بعد سقوط حكم الشاه ثم عاد ليعترف بها علنا عام 1990 بعد غزو الكويت.
وقد نجحت الحكومة العراقية في ابرام الاتفاق الأخير لتعيد الوضع الى عام 1975 بعد ان تراكمت خسائر الحدود على ضفة شط العرب وبعد ان تعرضت الضفة الشرقية لشط العرب لتآكل مستمر بسبب الإهمال وكثرة الغوارق والطمى وترسبات نهر الكارون مما يتسبب بخسارة الاراضي لصالح إيران، اذ تزحف حدودها داخل البصرة باقتطاع مساحات جديدة من الأراضي العراقية، وتقدر خسارة العراق السنوية قرابة مئة دونم من أراضيه  لصالح إيران من خلال تقدم خط التالوك، الذي يقسم النهر عند منتصفه بين البلدين، باتجاه المياه الإقليمية العراقية بشكل مستمر.
إن وقف هذا الانحراف في مجرى شط العرب سيؤدي الى منع وقوع الموانئ النفطية العراقية في الخليج العربي كميناء البصرة وميناء خور العمية ضمن أراضي الجانب الإيراني ويحرم العراق من أي إطلالة بحرية ولهذا فان الاتفاق العراقي الايراني الأخير  اوقف التدهور والعودة الى عام 1975 ومنع ايران من الاستحواذ على موارد العراق المائية والنفطية وايقاف زيادة مساحة مياهها الإقليمية على حساب العراق ومنع بشكل نهائي لأي قضم من الأراضي العراقية من خلال العودة الى احداثيات مثبتة عام 1975 حيث اصر المفاوض العراقي على تحديدها، وفقا للفقرة (1.3) من ملحق الاتفاقية التي تحمي مصلحة العراق بينما كان الوفد التفاوضي الايراني  يصر على نقطة أخرى، لكن تمسك العراق بموقفه في الحفاظ على الأرض والمياه العراقية اوصل الايرانيين الى انه لا طائل من الانتظار والموافقة والقبول خصوصا ان ايران تعتبر العراق منفذا وصديقا موثوقا به وشريكا كبيرا في الشرق الأوسط في المجالات السياسية والاقتصادية وان الوضع الآن يختلف عن حكومة البعث التي لم تكن حريصة بما يكفي وكانت تناور وتتنازل لأغراض البقاء وقد استغلها الأيرانبون آنذاك في مسألة التفسيرات التي رسمت في البروتوكولات لصالح ايران وهذا ما لم يحصل مع حكومة عبد المهدي.
ويؤكد البيان المشترك الذي تم اعداده بعناية على ان العراق دولة كاملة السيادة تتحمل مسؤوليتها التاريخية في المنطقة مثلها مثل بقية الدول المحورية في المنطقة كإيران، فتم التركيز على حق العراق في الدفاع عن وحدة وسيادة اراضيه وحقه في اتخاذ كافة الاجراءات التي يراها ضرورية في محاربة الارهاب وان قرار العراق لن يكون جزءا من اي منظومة معادية لدولة اخرى بل ان العراق وايران مهتمان بالقضايا الاقليمية والتحديات المشتركة ومحاربة الارهاب والتعاون من اجل تعزيز امن واستقرار المنطقة وبناء شراكات اقتصادية تعود بالنفع والرفاه على الشعبين الجارين وان امن المنطقة ينعكس على ازدهارهما الاقتصادي ورقيهما التجاري وان ارساء الامن في المنطقة هو مسؤولية ابنائها وقد تضمنت المباحثات عددا من القضايا شملت:-
1 - قضايا النفط والتجارة والصحة والنقل لانشاء السكك الحديدية بين الشلامجة والبصرة.
2 - تسهيل التأشيرات لرجل الاعمال والمستثمرين لكلا البلدين.
3 - كما ناقش الطرفان مسودة اتفاقية امنية على ان تقدم رسميا الى القنوات الدبلوماسية لتمريرها واتخاذ الاجراءات الادارية والقانونية بشأنها.
4 - انشاء منافذ حدودية جديدة بينهما.
5 - اقامة مدن صناعية مشتركة.
6 - تنفيذ النقل المباشر للبضائع بين البلدين من دون تفريغها في الحدود الدولية بينهما.
7 -وتناول الطرفان اجراءات انتقال القوى العاملة الماهرة بين البلدين والتعاون الصحي والعلاجي والتعليمي والطبي وتجارة الادوية وتسهيل تسجيل شركات الادوية بين البلدين.
8 - سعيهما لمضاعفة التبادل في مجالات التجارة والاستثمار الاقتصادي والخدمات الفنية والهندسية والصناعية، بما يعزز التنمية في البلدين والمنطقة.
9 - اعرب الجانب الايراني عن دعمه لاعمار العراق من خلال تقديم الخبرات ومشاركة الشركات الايرانية في المجالات المذكورة اعلاه، وقد رحب الجانب العراقي بمشاركة الشركات الايرانية والمستثمرين الايرانيين في هذا الصدد وطالب بتسهيلات مقابلة لعمل الشركات ورجال الاعمال العراقيين في ايران بما يحقق المصالح المشتركة بين البلدين.
10 - سبل تسهيل منح التأشيرات لرعاية البلدين لاغراض السياحة والزيارة والتجارة والسياحة العلاجية والزيارات الدينية.
11 - تم الاتفاق في هذا الصدد على تسهيل منح التأشيرات لرجال الاعمال في كلا البلدين.
12 - اعلن الطرف الايراني الغاءه رسوم التأشيرات للمواطنين العراقيين اعتبارا من 1 نيسان 2019، كما اعلن الطرف العراقي المعاملة بالمثل بالتزامن مع الطرف الاخر.
13 - بالنسبة لشط العرب اعلن الطرفان عن عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وايران المؤرخة في 13 حزيران 1975 والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بهما، بحسن نية وبدقة، ولذا قرر الطرفان البدء بعملية مشتركة لتنظيف وكري شط العرب بهدف اعادة قناة الملاحة الرئيسة (التالوك) وفي اتفاقية 1975 المذكورة والبروتوكول المعني بذلك في اسرع وقت.
14 - ووفقا للفقرة 13 اعلاه تبقى منصة العمية منصة عراقية كما كانت، من دون ان يؤثر ذلك في مباحثات الطرفين في تحديد الحدود البحرية التي اعادت للعراق حوالي 2.2 كم بعد ان فقدت بعد ان دفنت بالأطيان نتيجة الهدم المستمر والذي كان مستمرا من دون اهتمام من الحكومات العراقية السابقة.