المنفى بوصفه فضاءً روائياً

ثقافة 2019/04/05
...

حازم مبيضين
أصدرت الروائية الأردنية ليلى الأطرش رواية جديدة حملت عنوان «لا تشبه ذاتها»، وهي كاتبة كرّست انتاجها لنشر قيم المحبة والتسامح والعدالة، والدفاع عن القضايا الإنسانية والاجتماعية، خصوصا أنّها رصدت مشهد المرأة العربية وأحوالها ومعاناتها من خلال ما أنتجته من أعمال متنوعه، وهي في روايتها الجديدة، تتناول مناطق وقضايا شائكة في الحب والمرض، الذات والآخر، الوطن والاغتراب، الطمأنينة والخوف، والنجاح والفشل، ثنائيات ومفاصل تؤجج الصراعات على اختلاف مستوياتها.
تقول الأطرش إن روايتها عبارة عن مذكرات كتبتها البطلة لابنتها وطليقها عن طفولتها وصباها وحبها وفشلها وصراعها مع الحياة والمرض، إنها قصة حب أفغانية انتهت بتغريبة إنسانية وزعت فصولها بين كابل ولندن وعمان، والجزء الأكبر منها ذكريات طفلة اقتلع الخوف عائلتها من بلادها إلى بريطانيا، وعن المحاولات الصهيونية لاختراق مجتمعات القبائل والعشائر وسحب المزيد من المهاجرين للعمل في فلسطين، فقسّمت القبائل طمعا من بعضهم في الهجرة والهروب من الموت والصراعات إلى فرص أفضل، وهي تروي قصة صداقة كبيرة بين الشريفة الأفغانية والتاجرة اليهودية والقبول والتعايش مع انتشار الصوفية قبل أن ينقلب الحال إلى رفض الاختلاف وانتشار التطرّف واضطهاد كل مغاير. 
 
«لا تشبه ذاتها» رواية من النوع الذي يمكن التعامل معه بوصفه موطناً لجماليات تغذي الوجود، وتشبع حاجة القارئ ليفهم نفسه والدنيا من حوله، وهي نص يبحث في قضيتين، الأولى تتعلق بأشكال التمرّد المتنوعة التي عاشتها حبيبة خلال سماعها أمّها تروي عن طفلة لم تخطط الأسرة لمقدمها، فتغلغلت في روحها بوادر التمرّد التي تصاعدت مع إحساسها بالحسد تجاه أختها فردوس التي كانت تفوقها جمالا، أما القضية الثانية، فتتعلق بالهجرة وإشكاليات العيش بين ماضي الوطن وحاضر أرض جديدة لها اشتراطاتها المعقدة.
 
وهي رواية ناقشت واحدة من أبرز قضايا الثقافة الحالية وهي قضية النفي/ الهجرة التي تنامت بسبب ازدياد عدد المنفيين طوعا أو كراهية هرباً من حالات القمع والظلم القاهرة المفروضة عليهم، فأفغانستان مسقط رأس حبيبة لم تعد موئلاً لحضن وأمان وفرتهما لندن التي بدا لعائلتها أنها ستكون أقل مهانة وقسوة. وهي عند بعض النقاد رواية تفتح الباب واسعا للكتابة عن الوضعية البشرية لمن اختار الرحيل عن أرضه، مع التنبيه أن المنفى بات فضاءً روائياً شديد الغنى والأهمية يمكن من خلاله تقديم أكثر من لوحة درامية مؤثرة، خصوصًا حين يمتلئ المنفي بحنين تستيقظ معه مدافن للروح تختفي وراءها ذاكرة ممتدة في ماضٍ بعيد. ورأى آخرون أن الرواية تظهر شجاعة عالية، مع أهم تمظهرات الفكر التنويري المعاصر، كحرية المعتقد وحرية الاختلاف، وتقبل الآخر، وعلاقة الحروب الدينية بالأهداف السياسية وضرورة انتصار المحبة على الكراهية لتعميم حق الإنسان في الحياة الفضلى، وهي تضم رسائل اجتماعية وسياسية وأخلاقية تشتبك مع هموم المرحلة الكونية التي أصبح فيها الإنسان سلعة في أيدي القوى الإقطاعية، وهي تروي وقائع حياة أسرة أفغانية ثرية تهاجر من بلادها إلى لندن هروبًا من الحرب الداخلية الشرسة، فتمارس حياتها كما يفعل الأغنياء أينما كانوا. فالمال في الغربة وطنٌ أيضًا. 
 
أظهرت المؤلفة في «لا تشبه ذاتها» أثر العنف الديني المتأتي عن مكائد السياسة في نشر الخوف والإرهاب بين عامة الناس، وتهجيرهم عن أوطانهم وحرمانهم من حقوقهم الحياتية، وفي الوقت نفسه أبرزت بشكل فني أهمية فكر جلال الدين الرومي وعمر الخيام، في بعث الروح الجمالية في الانسان، وهو فكر أشد تأثيرًا من فرق الصوفية التي تحدثت عنها الرواية أيضاً.